Sunday, October 2, 2011

تعرفون الحق و الحق يحرركم


نص التأمل من يوحنا 8: 30 – 32 : "وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ بِهذَا آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ. فَقَالَ يَسُوعُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ:«إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ»."


تعرفون الحق و الحق يحرركم. هدف العظة الذي أريد أن أصل إليه في النهاية هو أن المسيح فقط هو المحرر الوحيد و الأوحد من كل قيد, بمحبة الآب و قوة و لهيب الروح القدس. تعرفون الحق و الحق يحرركم. إن الحق هو الذي يحرر, و إن كان الحق هو يسوع (كما هو مكتوب: أنا هو الطريق و الحق و الحياة), فيسوع هو الذي يحرر. إنها معادلة إنجيل يوحنا. الحق يحرر. الحق هو المسيح: أن أعرف و أختبر أن المسيح هو الحق, بالتالي, المسيح هو الذي يحرر. المسيح هو معطي الحرية.
لكي أنال الحرية, عليّ أن أعرف أن المسيح هو الحق, لكن ما نوع الحق الذي هو المسيح؟ المسيح هو الإله الحي الآن و هنا, المصلوب لأجلنا, لأجل خطايانا, و المقام لأجل تبريرنا, لإعطائنا حياة أبدية. هذه هي شهادة الكنيسة الأولى, كنيسة الرسل. هذا هو حق المسيح. إن لم نعترف أن هذا هو الحق, فلن ننال أي حرية.
قبل أن نتخبر هذا الحق, أريد أن أبدأ من الحرية لأنها ما يطلبها الناس أولاً. غالباً, في أكثر الأحيان, العالم لا يبحث عن الحق, بل يبحث عن الحرية. ما نراه على التلفاز في سوريا أكبر دليل: البحث عن حرية غير مدعمة بالحق, بالحقيقة, أو البحث عن حرية من دون توجيه الحق, أي مدعمة بالحق, فما نوع الحرية الناتجة:
إذا بحثنا في الانترنت و كتبنا كلمة "تعريف الحرية" سنصل إلى التالي: و بعد كل تعريف سأذكر مأخذ عليه.
أولاً: الْحُرِّيَّة هِي حَالَة الْتَحَرُّر مِن الْقَيُّوْد الَّتِي تُكَبِّل طَاقَات الْإِنْسَان وَإِنتاجُه سَوَاء كَانَت قِيُوْدَا مَادّيّة أَو قِيُوْدَا مَعْنَوِيَّة، فَهِي تَشْمَل الْتَخَلُّص مِن الْعُبُوْدِيَّة لِشَخْص أَو جَمَاعَة، الْتَخَلُّص مِن الْضُّغُوْط الْمَفْرُوْضَة عَلَى شَخْص مَا لِتَنْفِيْذ غَرَض مَا، أَو الْتَّخَلُّص مِن الْإِجْبَار وَالْفَرْض. قال أمير الشعراء أحمد شوقي:و للحرية الحمراء بابٌ بكلِّ يدٍ مضرجةٍ يدقُ.
(مأخذ: من هو الذي يعرّف بأن هذا القيد هو قيد, هل التعليم الإلزامي قيد, أم بركة لطفل من دونه قد يصبح بائع دخان, هل إجباري على دخول امتحان قيادة سيارات قيد, أم ضمان لسلامتي و سلامة الآخر)؟

ثانياً: تعريف خاص من أحد الأشخاص الذي عاش في بلدان مختلفة:
القول بأن حريتك تنتهي عند حدود الآخرين .. غير سليم لسبب لأنك أنت لاتعرف ماهي حدود الآخرين وقد تتعدى الحدود دون أن تدري. و بالتالي, الحريه هى احترام خصوصية الآخر. بمعنى لو حافظة نقوده على المكتب, لا تمد يدك عليها. إن أردت التدخين, استأذنه أولاً إن كان التدخين يضايقه. تحترم رأيه إذا كان يشجع نادي رياضي أو حزب آخر أو يعتنق دين آخر. و بالتالي: الحريه سلوك شخصي فى كل إنسان و هو احترام خصوصية الآخر و عدم التدخل في شؤونه. إذا احترم كل إنسان خصوصيات من حوله من الناس أصبحنا جميعاً أحرار.
(مأخذ: كيف أحترم خصوصية تاجر المخدرات, و بائعات/ بائعي الهوى, و القتلة و اللصوص؟!).
ثالثاً و أخيراً: تعريف آخر للحرية: الحرية هى التعبير الواقعي عن الشخصية بكاملها، فليست الحرية فقط أي تصرف بمعزل عن أي ضغط خارجى مباشر، فهذا ليس إلا الوجه الخارجي للحرية ولكن الحرية بمعناها العميق، هي أن أتصرف بحيث يأتي سلوكي تعبيراً عن كياني كله، وليس عن جزء من شخصيتي يتحكم فـــيّ، دون بقية الأجزاء. (مأخذ: ماذا لو كان كياني فاسداً, هل أنا حر إن كانت حريتي هذه ستودي بي إلى التهلكة؟) هذا المأخذ يذكرنا بما يقوله الرسول بطرس في رسالته الثانية: 2 بطرس 2: 19: "وَاعِدِينَ إِيَّاهُمْ بِالْحُرِّيَّةِ، وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ عَبِيدُ الْفَسَادِ. لأَنَّ مَا انْغَلَبَ مِنْهُ أَحَدٌ، فَهُوَ لَهُ مُسْتَعْبَدٌ أَيْضًا!"
من التعريف الثالث و الآخير, الذي يبدو أنه من التعاريف المناسبة, ننطلق إلى مفهومنا المسيحي للحرية: أن يكون سلوكي تعبيراً عن كياني كله, عندما يكون كياني كله معششاً في كيان المسيح المخلص و المحرر.نحن بأمس الحاجة للحق الذي يحرر, و نحتاج النعمة لنرى أن هذه الحرية في هذا الحق, يسوع, هي الحرية, و غيرها, ليست سوى بخار يظهر في الهواء ثم يضمحل.
يسوع يربط الحرية بالحرية من الخطيئة, لأن الخطيئة هي الظلمة التي تعمينا عن رؤية نور نعمة المسيح التي تجعلنا نرى أنه هو المحرر الحقيقي.منا من يعتقد أنه حر و لا يتحتاج إلى أي تحرر, مثل الموقف الذي يتكلم عنه يوحنا في الإصحاح الثامن: "فَقَالَ يَسُوعُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ:«إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ». أَجَابُوهُ:«إِنَّنَا ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ نُسْتَعْبَدْ لأَحَدٍ قَطُّ! كَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: إِنَّكُمْ تَصِيرُونَ أَحْرَارًا؟» أَجَابَهُمْ يَسُوعُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. وَالْعَبْدُ لاَ يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأَبَدِ، أَمَّا الابْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا."
ما يقوله يسوع هو أن كل من هو في الخطيئة هو عبد لها. و هذه الخطيئة هي التي تعشش في كيان الإنسان, فينتج السلوك المعوج الذي نتكلم عنه فيما يخص الحرية. مشكلتنا ليست حقيقةً في السلوك بل إن مشكلتنا هي في الكيان الداخلي الذي ينتج سلوكاً معيناً في هذا الموقف أو ذاك. مشكلتنا في الفساد الداخلي الذي يذكره بطرس الرسول في رسالته الثانية. ما يقوله يسوع لنا اليوم هو أن الخطيئة ليست فقط السلوك المعوج, بل هي ما ينتج و يصدر و يصنع السلوك المعوج: نحن نخطىء لأننا خطاة.
يخبرنا بولس الرسول عن اختباره القاسي مع الخطيئة في رومية 7: 14- 15: "فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ رُوحِيٌّ، وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ. لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ ". ببساطة, الخطيئة هي القوة التي تجعلنا نعتقد أن الظلمة هي مشتهيات نعيشها, و أن هذه المشتهيات أحلى من أن نشتهي المسيح. أنا أسلم جدلاً أن الجميع يريد أن يكون حراً و يمارس الحرية, لا يوجد أي شخص يريد العبودية. أنا أريد الحرية, أريد أن أعبر عن رأيي, لا أريد أن أكون عبداً, لأي شيء. أريد أن أعيش رغباتي. أريد أن أمتلك القدرة لتحقيق هذه الرغبات أو المشتهيات, و أريد أيضاً أن أمتلك الفرصة أيضاً ليتاح لي أن أحقق رغباتي بكل حرية بالقدرة التي أمتلكها.
دعوني أعطيكم مثالاً على عيش هذه الحرية: أن أرغب ما أشاء بكل حرية, و أن أمتلك القدرة و المستلزمات لتحقيق رغباتي, و أن يتاح لي الفرصة المناسبة لأعيش رغباتي. كلنا يعرف أو يسمع عن هواية القفز من الطائرة و السباحة بالهواء ثم الهبوط بالمظلة. تعرف هذه الرياضة باسم (Sky Diving). دعونا نتخيل, ما الذي يمكن أن يكون أكثر حرية و أنا أسبح و أغوص في الهواء الطلق المنعش و أعانق الرياح و أحتضن أشعة الشمس من دون قيد.
إذاً, لكي أعيش هذه الحرية الصرفة, عليّ أختار هذه الرغبة, و تتوافر فيّ المستلزمات, و أمتلك الفرصة. و أنا مستقل سيارتي متجهاً إلى مطار الانطلاق, أفاجىء بقطعة زجاج ترطم إطار السيارة و تفجره لينتهي بي المطاف إلى عمود الكهرباء! فقدت إذاً الفرصة لأحقق رغبتي, فلم أعد إنساناً حراً.
لنفترض أنني استطعت أن أصل إلى المطار فتوافرت الفرصة المناسبة لأكون حر و لم يقيدني الظرف و لم يحكمني. لكنني أفاجىء مرة ثانية بأن المشرف على الرحلة لن يدعني أصعد إلى الطائرة لأنني تغيبت عن كل الدروس و الصفوف اللازمة للقفز, ليقول لي بأني لا أعرف حتى كيف أرتدي المظلة لوحدي, لا أعرف كيف أشغلها. ففقدت حينئذ القدرة و المستلزمات لأكون حراً.
لنفترض أنني كنت ملتزماً بكل الصفوف و وصلت إلى المطار و صعدت الطائرة و ارتديت المظلة و عندما فُتح الباب, أُصعق بروعة المنظر المخيف و أنا على ارتفاع شاهق, و يصاب قلبي بالرعب و الشلل مما أرى, فأقرر ألا أقفز و أحقق رغبتي بحرية. و إن دفعني أحد خارج الطائرة, لن أقول أنني كنت أعيش حرية تحقيق رغباتي!
و أخيراً, وصلت إلى المطار فتوافرت الفرصة و كنت ملتزماً بالدروس فتوافرت القدرة و فُتح الباب و نظرت إلى الشمس الغاربة و تنسمت الهواء النقي و أدهشني منظر الأرض البعيدة بخضرتها و وديانها فقلت, يا إلهي, لا أطيق الانتظار, دعوني أحقق رغبتي و أعيش الحرية, دعوني أقفز أقفز. فقفزت.
و أنا معانق هواء الحرية, لا أعلم أن بمظلتي عطل فلن تفتح أبداً لو مهما فعلت. فأفاجىء و أنا بقمة الفرحة بحقيقة اسمها الجاذبية, الصخور الصلبة, الموت, التهلكة. هل كنت حراً؟؟ قد أجيب بنعم. قد أحب العالم الظلمة.
حقيقة, لم أكن حراً. لكي أكون حراً, عليّ أن أحقق رغباتي و أن تتوافر القدرة و أن أُعطى الفرصة, لكن عليّ أن أنتهي من دون ندم أو ألم. عليّ أنتهي بنهاية سعيدة اسمها, الحياة الأبدية. حريتنا من دون المسيح هي كسقوط حر من طائرة بمظلة لن تفتح أبداً. حريتنا في المسيح هي ان نأخذ قراراً, أن نرغب و نمتلك القدرة و الفرصة السانحة لنتعلق بمسامير الصليب الذي هو جسر المسيح إلى الله الآب بقوة الروح, لكي لا نسقط, بل يحملنا رافعين أجنحة كالنسور. عندها فقط يخبرنا الروح القدس بأن نزف أيدينا و أجسادنا بسبب تعلقنا بخشب الصليب الخشن و مساميره الجارحة هي "افتخارنا بالضيقات" لأن هذا الصليب سيطير بنا إلى الآب بقوة و أجنحة الروح القدس القادر ان يرف على وجه أي غمر. الحرية بالمفهوم المسيحي هي أن أفعل ما أشاء فقط عندما أمتلك المحبة و أنا متمسك بالصليب. المحبة في ضوء الصليب هي ضمير الحرية.
المؤسف و المؤلم يا إخوتي هو و أنا على طريق السقوط, أرى حولي إشارات عديدة, أرى: " أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ ". أرى: " فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا دُعِيتُمْ لِلْحُرِّيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ. غَيْرَ أَنَّهُ لاَ تُصَيِّرُوا الْحُرِّيَّةَ فُرْصَةً لِلْجَسَدِ." أرى: " أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى." أرى: " فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ " أرى: " وَلكِنْ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى النَّامُوسِ الْكَامِلِ ­ نَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ ­ وَثَبَتَ، وَصَارَ لَيْسَ سَامِعًا نَاسِيًا بَلْ عَامِلاً بِالْكَلِمَةِ، فَهذَا يَكُونُ مَغْبُوطًا فِي عَمَلِهِ." أرى صليب المسيح جسر إنقاذ و أراه ماداً ذراعين داميتين و أقول, أنا مصر, أريد أن أعيش حريتي, و لن أتأخذ أي قرار بمطلق الحرية أن أتمسك بك. هل كنت حراً أم كنت أقول: عفواً , عذراً , لا أراك؟

No comments: