Wednesday, October 28, 2009

ذراعي الرب

قراءة التأمل متى 14: 22- 33

لماذا يتمتع البعض بحياة رغيدة أفضل من غيرهم؟
لماذا يأتي الحظ إلى بعضنا و لا يأتي إلى جميعنا؟ على الأقل بنفس المقدار؟
لماذا تعامل الحياة البعض منا بلطف و البعض بقسوة؟

قال لي أحد الأصدقاء عندما كنت في سن الخامسة عشرة أن الحياة تشبه مضماراً كبيراً للسباق , , , مضماراً يختلف قليلاً عن ما نراه في العادة...ففي هذا المضمار الكبير تجري الخيول مع البشر في خانتين متجاورتين, بحيث أن كل جواد يمثل حظ الإنسان في هذه الحياة: الجياد تمثل الحظ أو فرصة العمر. و لكي يستطيعَ الإنسان أن يعيشَ حياةً رغيدة فعليه الجري باتجاه خانة الخيول سابقاً أقرانه ثم القفز من مكانه, أو من خانته ليتعلق بظهر إحدى هذه الجياد من الخانة الأخرى ليحمله بعيداً راكضاً بسرعة إلى السعادة. هذه هي فرصةُ الحياة التي يبحث عنها الكثير ليتغتنموها. و هذه الفرصة نادرةُ الحدوث لسببين: أولاً, لأننا لسنا وحدنا من يركض باتجاه الجياد القليلة و ثانياً, أن الجياد تعدو أسرع بكثير من البشر و القفز إليها أمر شديدُ الخطورة. لذلك, و إن أحسنّا توقيت جرينا و قفزنا فإن هذا لن يحصل لنا أكثر من مرةٍ واحدة في حياتنا, أن نتعلق بحظنا و نخاطر بحياتنا لنبلغ مرادناً

صحيح أن العديد منا يفضلُ أن يعيشَ فقط حياة آمنة و هادئة, و يأخذ كل يوم بيومه و بما تأتيه الحياة. و إن هذا يعاكسُ القصةَ التي رويتها الآن عن جرأة الإنسان المقدام و أخذه بخيار المغامرة و ركوب الخطر ليصنع الأفضل. لهذا السبب, عادة ما يُنظر إلى قصة يسوع و بطرس عندما مشيا على الماء على أنها القصة التي تذكرنا بشجاعة الإنسان الجريء, مثل بطرس, لركوب الخطر, للمضي قدماً في الحياة

كتب أحد علماء اللاهوت كتاباً بعنوان: "إن كنت تريد السير على الماء, فعليك الخروج من القارب." و فحوى الكتاب أننا بحاجة إلى شجاعة بطرس في حياة الإيمان و بحاجة إلى التركيز على شخص يسوع المسيح بغض النظر عن نوائب الدهر التي تلطم وجهنا كموج البحر. الذي يريد أن يعطي حياته ليسوع ليكون ملحاً و نوراً فعليه الثقة بأن يسوع حاضر لخلاصه ,مثلما كان يسوع لبطرس, و بالتالي الخروج من القارب
إخوتي, إن ما يذكره متـّى هو حدث, حدث صريح و معجزة و هي السير على الماء. و كما هي الحال في أية معجزة أو في أي حدث, نستطيع أن ننظر إليها من زوايا مختلفة. كل نص في الكتاب المقدس يقدم لنا ذاته لنراه من زوايا متعددة.
لقد بدأت تأملَ اليوم بشرح أحد الطرق التي نستطيع من خلالها قراءة هذا النص: أي أن ننظر إلى ما يستطيعُ أن يفعلَهُ أو ينجزَه الإنسان في حياته عندما نركز على يسوع المسيح. نستطيع أن ننظر إلى النص من هذه الزاوية, ننظر إلى زاوية بطرس الشجاع. نستطيع أن نقول أن النص يركز على مشي بطرس على الماء لأننا لا نقرأ كل يوم عن رجل مشى على الماء
لكن هل من هناك زاوية أخرى؟ يصور متـّى هذا الحدثَ الفريد و الأول من نوعه بطريقة تدعونا لنحفر أكثر لنرى و نتعلم درساً آخر غير شجاعة الإنسان. أعتقد أن متـّى مهتم أكثر بالحديث عن ذراعي الرب الطويلة التي تستطيع أن تنتشلنا من الغرق.
تبدأ القصة أيها الأعزاء بانتهاء معجزة إكثار الخبز و السمك و صرف يسوع للجموع و التلاميذ أيضاً إلى البحر ليصعد إلى الجبل و يصلي. في كثير من الأحيان يسمح لنا كتّاب الأناجيل بأن نلج صلواتِ يسوع لنصلي معه و نتعلم منه, لكن في هذا المكان من بشارة الإنجيل لا نقرأ ماذا كان يصلي يسوع بالفعل و لماذا انفرد عن الجمع و التلاميذ. و لكن على ما يبدو بأن هذه الخلوة كانت ضرورية لأن يسوع كان يشعر بالألم الشديد و الحزن لسماعه خبر مقتل قريبه, أو ابن خالته يوحنا المعمدان و ربما كان يفكرُ بأن الدور واصل إليه لا محالة. فكان يصلي و يصلي منذ أن صرف الجموع في المساء و إلى حلول الليل, إلى الهزيع الرابع ,أي حوالي الساعة 3 بعد نصف ليل أخذه الوقت ليقول أمين
أما التلاميذ في هذا كل هذا الوقت كانوا منهمكين في النجاة من الموت غرقاً لأن السفينة كانت معذبة بين الأمواج تصارع الموت في خضم البحر و غيوم العاصفة تحجب النجوم و التي هي الدليل. و هنا يكمن السؤال أيها الأحباء. لقد كان يسوع من أمرهم أن يمضوا إلى البحر ليصلي هو على الجبل. فهل تساءل التلاميذ هل كان يسوع سبب وجودهم الآن بين فكي الموت؟
ألم نتساءل نحن في كثير من الأحيان في حياتنا, لماذا أقع في هذا المأزق جرّاء اتباعي لتعاليم يسوع؟
هذا ما كان يدور في أعماق التلاميذ. لماذا نواجه هذا الجو العاصف و نحن لم نعمل سوى إرادة يسوع؟
و في خضم هذا العاصفة, يتقدم على الماء ما يشبه الخيال و الذي زاد التلاميذ اضطراباً و هلعاً فقد كانوا يصرخون من شدة الخوف. لكن هذا الشخص قال: " تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُو"ا
كل ما أراده التلاميذ هو الخلاص و لقد أتاهم الخلاص على الرغم أن كلَّ ما اختبروه كان صوتاً, صوتاً فقط فهم لم يميزوا الشخص و ظنوه خيالاً. و هذا الصوت, هذا الكلام, هذه الكلمة, (تشجعوا) كانت الخلاص...لم تنشق السماء, و لم يطر القارب فوق العاصفة لموقع آمن. كان خلاصهم بضع كلمات سمعوها من شخص لم يروه. " تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا " هذا كان خلاصهم و هذا هو خلاصنا. تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا لأني هنا.
متى ما تكلم الله, خلصنا.
نعم. كم من مرةٍ في حياتنا واجهنا صعوبات و آلالام و اعتقدنا أنه لا ملاذ لنا و لا منفذ للتخلص من مآزقنا ثم سمعنا صوتاً قائلاً: "تشجعوا". كم من مرةٍ صلينا إلى الله طالبين منه أن يصنع معجزة في حياتنا...معجزة تفوق العقل بها نستطيع أن نمشي على الماء أو ننقل جبال لكن كل ما سمعناه كان :"أنا هو لا تخافوا"؟
بنفس الوقت كم من مرةٍ سمعناه قائلاً لنا: "أنا هو" لكن رددنا عليه قائلين: "إن كنت أنت يسوع فاجعلني امتطي إحدى تلك الجياد"؟
كم من بطرس يقبع في داخلنا؟ مشكلة بطرس هي أنه لا يستطيع التمييز بين الله و خيال. و النتيجة أنه لا يثق بالصوت, لا يثق بصوت الخلاص, لا يكتفي بالصوت لكنه يثق بقدرته فما كان إلا و أن انتهى مبلولاً تماماً. إن كنا كبطرس لا نثق بصوت يسوع سننتهي مبلولين أيضاً
هل نحن نثق بصوت يسوع اليوم؟ هل نثق اليوم بذراعي يسوع الطويلة القادرة أن تخلصنا؟
لكن ليس هذا بكل شيء بما أن التلاميذ سمعوا صوتاً و لم يعرفوا صوتُ من كان, دعونا نسمع صوت بطرس ماذا قال و دعونا نحاول أن نستذكر صوتُ من يشبه صوتَ بطرس.
قال بطرس: يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ، فَمُرْني أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى الْمَاءِ

هذه الجملة المكونة من شقين "(1) يا سيد إن كنت أنت هو, (2) فمرني أن آتي إليك." ألا تذكركم بجمل تشبهها في العهد الجديد؟ هذا الصوت و هذه الصياغة المحددة: "(1) يا سيد إن كنت أنت هو, (2) فمرني أن آتي إليك." ألا تذكركم بصوت مشابه؟ ألا يذكركم بالعبارات التالية
إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهذَا الْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا
إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلُ
إِنْ كُنْتَ أَنْتَ مَلِكَ الْيَهُودِ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ
مشكلة بطرس و مشكلتنا جميعاً هي أننا نخطىء كثيراً في تمييز صوت الرب في حياتنا. فلا نسمعه و لا نثق به, في حين يكون الرب أمامنا ماداً ذراعيه الطويلتين لينتشلنا من أعماق الهاوية, من وسط لجج البحر. إن كنا لا نميز من نحن و لا نميز حاجتنا لهذا الصوت و لتعلقنا بذراعي صاحبه, فنحن غارقون إلى الهلاك.
(C.S. Lewis) قال الكاتب و اللاهوتي
يملك كل مسيحي أفضلية تميزه عن غيره من الناس: ليس أنه أقل سقوطاً من الناس, و ليس أنه أقل سقوطاً من الخليقة التي سقطت, بل أنه عارف أنه سقط في وسط خليقة سقطت
متـّى يقول أن يسوع بذراعيه الطويلتين (انا مركز على كلمة طويلتين لأنه فقط بهما ينتشلنا الرب من أعماق البحر إلى بر الأمان). مـتّى يقول أن يسوع دخل القارب مع بطرس و الريح سكنت. و سجدوا له و لم يقولوا: "إن كنت ابن الله, فخلصنا" بل قالوا:
"بِالْحَقِيقَةِ أَنْتَ ابْنُ اللهِ"

No comments: