ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلاً:«أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ». فَقَالَ لَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: «أَنْتَ تَشْهَدُ لِنَفْسِكَ. شَهَادَتُكَ لَيْسَتْ حَقًّا». أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«وَإِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي حَق، لأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ آتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. أَنْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ تَدِينُونَ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ أَدِينُ أَحَدًا. وَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَدِينُ فَدَيْنُونَتِي حَق، لأَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَالآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. وَأَيْضًا فِي نَامُوسِكُمْ مَكْتُوبٌ أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ حَقأَنَا هُوَ الشَّاهِدُ لِنَفْسِي، وَيَشْهَدُ لِي الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي». فَقَالُوا لَهُ:«أَيْنَ هُوَ أَبُوكَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «لَسْتُمْ تَعْرِفُونَنِي أَنَا وَلاَ أَبِي. لَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا». هذَا الْكَلاَمُ قَالَهُ يَسُوعُ فِي الْخِزَانَةِ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ. وَلَمْ يُمْسِكْهُ أَحَدٌ، لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ
قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا:«أَنَا أَمْضِي وَسَتَطْلُبُونَنِي، وَتَمُوتُونَ فِي خَطِيَّتِكُمْ. حَيْثُ أَمْضِي أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا» فَقَالَ الْيَهُودُ:«أَلَعَلَّهُ يَقْتُلُ نَفْسَهُ حَتَّى يَقُولُ: حَيْثُ أَمْضِي أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا؟». فَقَالَ لَهُمْ:«أَنْتُمْ مِنْ أَسْفَلُ، أَمَّا أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. فَقُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ، لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ». فَقَالُوا لَهُ: «مَنْ أَنْتَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«أَنَا مِنَ الْبَدْءِ مَا أُكَلِّمُكُمْ أَيْضًا بِهِ. إِنَّ لِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةً أَتَكَلَّمُ وَأَحْكُمُ بِهَا مِنْ نَحْوِكُمْ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ حَق. وَأَنَا مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، فَهذَا أَقُولُهُ لِلْعَالَمِ». وَلَمْ يَفْهَمُوا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُمْ عَنِ الآبِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«مَتَى رَفَعْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ، وَلَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَتَكَلَّمُ بِهذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي. وَالَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي، وَلَمْ يَتْرُكْنِي الآبُ وَحْدِي، لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ». وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ بِهذَا آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ
بالفعل إنه لخبر سار أن كثيرين آمنوا بكلمات يسوع. هذا هو الخبر السار, أن الإيمان ليس إلا الاستجابة لدعوة الكلمة يسوع. إنه لخبر سار لأن يسوع قال: " لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ ". لدينا أيها الأحباء صورةً في نهاية هذا المقطع أن هناك أناس ينتقلون من موت إلى حياة بينما الكلمة يتكلم. إنهم لم و لن يموتوا في خطاياهم, بل رقدوا في نعمة و تبرير و هذا خبر سار أيضاً, أن الله سامحهم و قبلهم كأعضاء في جسد الكلمة. إن لم نؤمن فسنموت في خطايانا و لكن إن اعترفنا و آمنا فهو أمين و عادل حتى يغفر لنا خطايانا و يطهرنا من كل أثم. نعم, إن آمنا, فسنموت أو سنرقد لكن في بر و خلاص يفيض إلى حياة أبدية. إنه بالفعل لخبر سار و صلاتي أن نبتدأ معه و ننتهي معه لأنه هو الألفا و الأوميغا, الألف و الياء, البداية و النهاية
إنه لخبر سار, ليس أن من بينهم من آمن, بل لأنه آمن و الكلمة تكلم فقط, فتح فاه فحسب, إنها معجزة كلمة الكلمة. هذا الإيمان تولد و زرع في قلوب من آمن لأنهم سمعوا الكلمة و آمنوا به. الإيمان يأتي هنا نتيجة السمع, السمع لكلمات الكلمة يسوع. أعتقد أن هذا هو السبب الجوهري وراء اهتمام الكنائس الإنجيلية بخدمة الكلمة, أي الوعظ, لأن الإيمان يأتي بسمع و قبول الكلمة الشاهدة للكلمة المسيح. بالقراءة خلال صفحات الأناجيل, نرى يسوع في معظم الأحيان يتكلم و يعلم ثم تأتي المعجزة سواء كانت إشباع جياع, أو شفاء, أو معجزة غفران الخطايا. يسوع يتكلم أولاً و الإيمان يُخلق عندما نفتح قلوبنا و نغلقها لتحرس الكلمة المغروسة القادرة أن تخلص من قد هلك
أريد الآن أن أصرف بعض السطور للتكلم عن بنية هذا النص الكتابي لأنه يبدو لي للوهلة الأولى أنه مركب بطريقة تدعو لتساؤلات عديدة. يفتتح الكلمة ليقول: " أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ"
الملفت يا أحباء أن كلمة "نور" اختفت من بقية النص, فما هو الأمر الذي طرأ لتختفي هذه الكلمة؟ لماذا لم يتابع يسوع كلامه عن النور؟ في بقية الأناجيل يصرف يسوع وقتاً في تعاليمه عن السراج و المكيال, عن المنارة, عن الظلمة و النور, عن العين كونها سراج الجسد, في كل تعليم يسوع عن النور, كان يسوع يصرف بعض الوقت في كلامه أو أمثاله مستفيضاً لأهمية و محورية مفهوم النور الذي يشرق و يجلي كل ظلمة. لكن هنا, كلماته كانت مقتضبة, كأن سبباً طارئاً قطع الحديث فما الذي جرى
انطلاقاً من هنا, أرى بنية النص كالتالي
أولاً: قول يسوع, أنا هو نور العالم
ثانياً: اعتراض على هذه المقولة
ثالثاً: يسوع يسير مع تيار الاعتراض و مع مجرى الحديث الجديد و بسبع آيات يؤكد أن سلطانه من الآب و أنه هو ما هو بسبب علاقته الجوهرية مع الآب
رابعاً: كل شرح يسوع عن علاقته بالآب, الذي يبدو ظاهرياً على أنه موضوع مختلف عن موضوع النور في الاستهلال الأول, هو برمته شرح كيف أنه هو نور العالم
إذاً يسوع يستهل الكلام بالقول أنه نور العالم. لم ترق هذه الكلمات لليهود و اعترضوا (أي النقطة الثانية) على هذا الكلام و اتهموه أن يشهد لنفسه فشهادته ليست حقاً و لا ترتقي إلى أي إذعان. فيسير معهم في الحوار الذي يبدو للوهلة الأولى غريب عن موضوع النور, أي الموضوع الأساسي. و تقديري أننا قد رأينا هذا من قبل! في حوار الكلمة مع المرأة السامرية, يفتتح هو الحوار ليتكلم عن الماء الذي يفيض للحياة الأبدية, فتغير المرأة الموضوع لتسأله عن العبادة! أين يجب أن نعبد الله؟ لكن الملفت أن الكلمة سار معها في الحوار الجديد لنكتشف في نهاية الأمر أنه عاد بها و لو ضمنياً إلى موضوع الماء؟ لقد رأينا كيف فاض الكلمة يسوع كالماء الحي في حياة تلك المرأة لدرجة أنها لم تستطع أن تغب منه بمفردها بل ذهبت لتخبر عنه بكل بركة فياضة لكل قريتها و هي التي أتت لتستقي في وقت لم ترد أحداً أن يراها بسبب ماضيها
تقديري أن ما تم هنا هو أمر مماثل و مطابق. الكلمة يتكلم عن النور, الفريسيون يغيرون مجرى الكلام باعتراضهم, يسير يسوع مع الاعتراض ليؤكد سبع مرات أنه في الآب و مع و الآب و كون أنه أتى من الآب خالق و ضابط الكل, فهو نور العالم. أي, كون أن الكلمة أتى من الآب خالق الكل, و كون أن الكلمة نور يفتح أعين العمي, فهذا الكلمة النور هو نور العالم. لماذا يسوع هو نور العالم, لأنه ابن الآب, نور من نور. كل هذا الحوار مع الفريسيين هو شرح لكيفية أنه نور العالم, لأنه من الآب النور خالق و باري كل العالم
ربما من أصدق الصور لفهم عمل الله الثالوث هي صورة الشمس: الكوكب و الدفىء و النور. عندما نرى كوكب الشمس نقول ها هي الشمس في قبة السماء و عندما نشعر بدفئها نقول, إنها الشمس, و عندما نرى من خلال نورها نقول, ها قد أشرقت الشمس. غياب أي عنصر من هذه العناصر الثلاث, الكوكب, و الدفىء, و النور, يعني أن الشمس لم تبقى الشمس, فإما الثلاث مجمعين و إما فإن ما نراه أو نشعر به ليس الشمس
النور, الكلمة المسيح, مساوي لللآب في الجوهر مثلما نقرأ في فيلبي 2: 6 – 11
"الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ."
لهذا السبب يستفيض الكلمة عن علاقته بالآب خالق العالم أو الكون, إنه نور العالم, نور الكون لأن أباه هو خالق العالم, خالق الكون
في بداية تحضيري للنص, شعرت بقليل من الاتباك و لذلك لأنني اخترت أن أتكلم عن مفهوم النور و اخترت هذه الآية من شهادة يوحنا, لكن الكلمة توقف عند هذه الجملة ليعلق على اعتراضاتهم. لكنه كما تبين لي في النهاية أن كل شرح الكلمة كان لتوضيح كيف أنه نور للعالم, لأنه مساوي لأبيه خالق العالم في الجوهر.هذه هي الصورة الكبرى لبنية النص, كما قلت سابقاً, الكلمة يستهل, يسمع الاعتراض, يمشي مع الاعتراض ليعود إلى الاستهلال الأول, أنه نور العالم. سبب تأكيدي أن يسوع نور العالم من خلال كلماتي: أنه نور الكون, هو التركيبة اللغوية باليونانية لهذه الآية
Ego Heimi To Phos Tou Kosmou, akolouthon emoi hou mei peripateisei en tei skotia all exei to phos teis dzoeis.
و حرفياً: أنا أكون نور الكون, أياً كان من يتبعني فلن يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة. حقاً إن هذه الآية تغير من حياتنا. لاحظوا يا إخوتي ما يقوله الكلمة. هو النور. و أياً كان من يتبعه, من أي بيئة أو خلفية أو احتياج, يكون له النور أو يحصل على النور, الذي هو الكلمة يسوع المسيح. أياً كان من يتبع النور, لا يمشي في الظلمة بل يكن له الكلمة: النور, الراعي الصالح, الطريق و الحق و الحياة, الحرية, ماء الحياة, الخبز النازل من السماء, الباب المودي للخلاص, القيامة و الحياة, كل هذا يكون لك إن تبعت الكلمة النور المسيح. من يوحنا 1: 4 : "فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ "
معروف جداً يا إخوتي أن العين البشرية ترى فقط من خلال النور. لا يوجد نور, لا يوجد رؤيا, بل ظلمة بحتة, و الظلمة هي موت. الميت لا يرى. أي كان من يمشي وراء الكلمة النور فليس في ظلمة, ليس في موت بل في حياة. و ليس أي حياة, بل في الحياة التي يمنحها و يفديها الكلمة النور.الفريسيون موتى, لذلك لا يمكنهم أن يروا أن يسوع هو الكلمة النور. فيسوع بالنسبة لهم هو يسوع ابن النجار, لكن يسوع بالنسبة للذي يشرق في داخله النور هو الكلمة ... الله
الآن, عندما نقول أن الكلمة هو نور العالم, و نحن نعلم أن العالم في ظلمة, في موت. فما معنى إذاً: يسوع نور العالم
يسوع نور العالم يعني
أولاً: أن العالم لا يملك أي فرصة للإنارة و بالتالي الحياة إلا بيسوع, و بيسوع فقط. إما نور في المسيح أو ظلمة في العالم. و لا يوجد خيار ثالث
ثانياً: كل العالم بحاجة للنور لأنه لا أحد يبغي الموت. لكن ليس كل العالم يرى أن في الكلمة حياة
ثالثاً: كون أن الكلمة هو النور و كون أن كل ما خُلق كان من خلال الكلمة "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ ", فإن هذا يعني أن العالم خُلق ليشع فيه النور. العالم تحت سلطان النور مصدر الحياة الوحيد للعالم. خلق الله العالم ليسكب فيه من نعمته المنيرة. و هذا يعني أنه إن كان أحد ليس في النور, فهو لا يرى العالم على حقيقته. كون الغبار قد كُنّس تحت المقعد, هذا لا يعني الغبار أصبح خارج المنزل. من 1كورنثوس 2: 26 : " فَانْظُرُوا دَعْوَتَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنْ لَيْسَ كَثِيرُونَ حُكَمَاءَ حَسَبَ الْجَسَدِ ". من 2 كورنثوس 1: 12: " لأَنَّ فَخْرَنَا هُوَ هذَا: شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا أَنَّنَا فِي بَسَاطَةٍ وَإِخْلاَصِ اللهِ، لاَ فِي حِكْمَةٍ جَسَدِيَّةٍ بَلْ فِي نِعْمَةِ اللهِ، تَصَرَّفْنَا فِي الْعَالَمِ "
رابعاً: أنه سيأتي اليوم الذي سيُغمر به كل العالم من نور الكلمة. متى؟ قريباً. هكذا يعلمنا الكتاب المقدس
الكلمة يسوع هو رسم جوهر الآب و بهاء مجده و سيأتي اليوم الذي سيمتلىء كل العالم من نوره, سواءاً أشاء العالم أم أبى, لأن من كان في ظلمة و ميتاً هو دوماً تحت سلطان معطي النور, الحياة. نور السراج يكشف ما كان ضائعاً, و عندما يوقد السراج, نرى الغرفة على حقيقتها. أرجو ألا تستجيب بأنك لست بحاجة للنور لترى فوضوية الحياة. عدم رؤيتك للزجاج المحطم على الأرض لا يعني أنه غير موجود. و إن استمريت بالعيش من دون النور فسيأتي اليوم الذي تطأ في الزجاج و قد يودي بك إلى الوقوع و الحطام
يقول الرسول بولس في أفسس 1: 18: " مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ "
من خلال تأملاتنا في مفهوم, هو نور العالم, نرى الخبر السار مرة الأخرى يفيض من النور. و الخبر السار هنا و اليوم أننا لسنا بحاجة لنحرق أي سراج لنرى, لأن الكلمة احترق على الصليب ليعطينا النور. اشتعل الله على الصليب لكي نرى جيداً إناء حياتنا المكسور, الذي نحن كسرناه. إن كانوا يلفون في أيام المسيح خرقة بالية على عارضة من خشب ليغمسوها في الزيت و يشعلوها, فإن الكلمة لف جسده على الصليب و احترق و قُدم أمام الله رائحة طيبة, كبخور صاعد ليكون لك نور ترى به ما كسرت أنت
في الوقت الذي كان الناس يعقدون الخرقة جيداً على العارضة كي لا تسقط, فإن الكلمة عانق الصليب الخشن بل و احتضنه و سمر نفسه عليه بصدىء الحديد كي لا يسقط, بل و توج بالشوك لينزف الدم من الرأس و العين و تشتعل آخر قطرات دمه كي يعطيك نوراً أسطع. إعطاء نور الحياة ليس فقط لكي ترى ما كسرت أنت, بل كي تتبعه إلى حياة أبدية عوضاً من السقوط في بقعة مظلمة اسمها مجرور الجحيم. فإن لم يكن من عُلق على الصليب هو من الآب خالق الكون, و مساوي له في الجوهر, فلن يكون نوراً للعالم. هذا هو معنى "يسوع نور العالم."
و فجأة بعد كل هذا الوحي الإلهي في شخص الكلمة نسمع النشاز " أَنْتَ تَشْهَدُ لِنَفْسِكَ. شَهَادَتُكَ لَيْسَتْ حَقًّا." من أين أتى هذا النشاز؟ أتى النشاز من اقتباس الفريسيين لجملة ليسوع خارج سياقها و كان ذلك من يوحنا 5: 31 حيث قال يسوع: " إِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي لَيْسَتْ حَقًّا ". بتذكر الفريسيين لهذه الجملة التي قالها يسوع, يستخدموها للاعتراض على قوله أنه نور العالم فيقولون: ها هو, إنه يشهد لنفسه على أنه نور العالم, ها أقد أمسكناه من لسانه أنه يناقض نفسه فهو الذي قال أنه لا يشهد لنفسه و هو الآن يشهد لنفسه, أنه نور العالم, فلا يمكن أن يكون النور لأنه يناقض نفسه
لكن ما كان قصد يسوع في سياق يوحنا 5: 31؟ قراءتنا لذلك النص توضح لنا مقصد يسوع و هناك كان يقول شيئاً مشابهاً للتالي: إن كنت أشهد من نفسي و إن ادّعيت ما أكون بدون أي ارتباط بالآب فلست حقاً. هذا كان سياق تلك الآية لكن كل هم الفريسيين هو سماع ما يريدون و ليس سماع الحقيقة. و أنا أشبه ما جرى بالحادثة التالية
تسمعني أنت البارحة أتكلم مع أحد الأشخاص و أقول: "أنا لا استعمل كلمة البيل". و اليوم أراك في نفق غارقاً في الظلمة و لا تعلم في أي اتجاه تذهب و آتيك أنا و في يدي بيل كشاف ساطع و أقول لك: خذ هذا البيل لأنه سيساعدك على إيجاد الطريق. و أنت تنظر إلي و تصيح في وجهي: ها قد استعملت كلمة "بيل" و البارحة قلت إنك لا تستعملها فأنت تناقض نفسك و لا تريد مساعدتي و لا تملك بيلاً أصلاً
ماذا كنت ستفعل لو كنت مكاني
من الممكن شرح الموقف و القول: اسمع, البارحة كنت أتكلم مع شخص أخبرني أن البيل هي الكلمة المستعملة للبطاريات و قلت له أن لا استعمل كلمة بيل لأعني بطارية...فأنت يا عزيزي لم تكن تسمع ما قلته في سياق الحديث بل سمعت ما أردت أنت أن تسمع, فأنا لا أناقض نفسي
إذاً من الممكن شرح الموقف هكذا. لكن الخطب جلل و الانسان أمامنا تاءه و قد يقضي جوعاً في أي لحظة و أنا لست بجانبه طول الوقت فلن أشرح بل سأقول: هذا الذي في يدي اسمه "بيل", و أنت بحاجة لمن ينقذك و يخرجك, خذ البيل! خذ البيل بحق السماء! أنت بحاجة للنور لتعيش, اتبع النور
هذا النشاز سخيف و ليس له مكان على أي مدرج لأن الفريسيين واقفين أمام الله الحي و نوره محترق يسطع ليعطي حياة لكل من هو أعمى. لم يكن الفريسيين بحاجة إلى العودة إلى يوحنا 5 : 31 ليوضحوا مقصد يسوع هناك. ما احتاجوه كان عيوناً ليروا, عيون أذهان مستنيرة, مثلما يقول الرسول بولس في 2 كورنثوس 4: 3- 6
"وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ، الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ. فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبًّا، وَلكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيدًا لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ. لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ:«أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ»، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ."
نور المسيح, النور الذي هو المسيح, هو نور الله الذي ينعكس على شبكية روح الإنسان. أنت لا تستدل على النور, أنت ترى النور و منه تستدل على منبعه. فأنت لن تصل إلى منبع النور إلا إن مشيت في النور و وصلت إلى المصدر و هذا هو الخبر السار, أن المسيح يحترق لأجلك لينير الطريق الضيق الموصل إلى الآب. فإما أنت مبصر أو أعمى